بقلم : هديل الصفدي
قضية انسانية ذهب ضحيتها أكثر من اربعمئة طفل ليبي حقنوا بفيروس الإيدز، وانتهت بصفقة سياسية بحتة بالإفراج عن الممرضات البلغاريات والطبيب الفلسطيني بعد تحقيق دام اكثر من ثماني سنوات.
هذه القضية التي شغلت الرأي العام العالمي والتي أدت إلى موت 50 طفلا واصابة حوالي 400 اخرين بالمرض القاتل، انتهت دون الوصول الى الحقيقة المطلقة أو معاقبة المتورطين في هذه الجريمة البشعة بحق الإنسانية.
البداية كانت في سبتمبر ايلول عام 1998 عندما تقدم والد أحد الأطفال بشكوى للنيابة العامة بعد تدهور حالة ابنه الذي كان يبلغ من العمر اربعة اشهر بعد استئصال احدى كليتيه في مستشفى السابع من اكتوبر في بنغازي، وعند اصطحابه الي مستشفى في القاهرة أظهرت التحاليل المخبرية التي أجريت لهذا الطفل اصابته بفيروس الايدز ليفارق الحياة بعد رجوعه الى المستشفى الليبي.
وبدأت النيابة بالتحقيق السري لتجد أعدادا كبيرة من الاطفال المصابين بالايدز في المستشفى ذاته، لتتأكد ان فعلا متعمدا وراء اصابة الاطفال، كما ان معظم الاطفال المصابين كانوا من نزلاء قسم الوحدات الباطنية المفتوحة بينما خلت بقية الاقسام المعزولة من المرض، وتوصلت النيابة بعدها الى ان طبيبا فلسطينيا وخمس ممرضات بلغاريات هم المتواطئون في الجريمة.
وفي نيسان/ابريل عام 2001 صرح الزعيم الليبي معمر القذافي خلال مؤتمر حول الايدز في ابوجا ان حقن الاطفال تم بتعليمات من السي اي ايه والموساد الاسرائيلي وتوعد بتحويل محاكمة المتورطين في القضية الى محاكمة عالمية على غرار محاكمة المتورطين الليبيين في تفجير طائرة لوكربي في اسكتلندا.
وفي عام 2006 حكم القضاء الليبي على الممرضات والطبيب بالاعدام، الا ان ليبيا واجهت ضغوطات سياسية كبيرة من الاتحاد الاوروبي وتدخلا امريكيا وفرنسيا لتسليم الممرضات والطبيب لبلغاريا لمحاكمتهم في بلغاريا وذلك بعد ان اعطي الطبيب الفلسطيني الجنسية البلغارية، حيث هدد الاتحاد الاوروبي باعادة النظر في طبيعة علاقاته مع ليبيا إن اصرت على تطبيق حكم الاعدام كما اعتبرت امريكا قرار القضاء الليبي عقبة في سبيل خروج ليبيا من عزلتها الدولية.
وأصر اهالي الضحايا على تطبيق حكم الاعدام ورفضهم التفاوض مع البلغاريين او الاوروبيين للتخلي عن موقفهم معتبرينه تجاهلا دوليا لمأساتهم الانسانية.
وحاولت ليبيا مواجهة الضعوط الدولية واقترحت ان تدفع بلغاريا مبلغ 13 مليون دولار كدية لكل طفل اصيب بالايدز في هذه القضية الا ان بلغاريا رفضت دفع هذا المبلغ معتبرة انه سيكون بمثابة اعتراف منها بارتكاب الممرضات الجريمة.
واخيرا خضعت ليبيا لكل هذه الضغوط وسلمت الممرضات والطبيب لبلغاريا، وحال وصولهم لمطار بلغاريا قام الرئيس البلغاري بتبرئتهم من هذه القضية، وضاع حق اكثر من اربعمائة طفل ليبي دون الحصول على أي تعويض حتى الآن.
ومع طي هذا الملف الذي سيبقى خالدا في أذهان الليبيين والعرب تسطر الحكومات العربية مشهدا جديدا من مشاهد الاستهتار بإنسانية شعوبها والتي اعتادت عليها بصورة تكاد تكون مستنسخة.
نشر في عام 2008
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق