الاثنين، 24 مايو 2010

جرائم الشرف وتساهل القانون


بقلم: هديل الصفدي

على الرغم من ان الطب الشرعي الاردني كشف في الاونة الاخيرة ان غالبية ضحايا جرائم الشرف هن عذراوات الا ان ذلك لم يغير ساكنا في قانون العقوبات الاردني المادة 340 والذي يعطي العذر المخفف لمن يقتل احدى اصوله او فروعه في حال تلبسها بجريمة الزنا او قتل من يزني بها.

ذلك القانون اعطى العذر للكثيرين لقتل قريباتهم من غير حق فقط لمجرد الشكوك والاشاعات والاوهام، كما انه اعطى العذر لأي شخص يتأكد ان قريبته اتركبت الزنا فقتلها، معطيا معاملة تفضيلية لهؤلاء الاشخاص بالحكم عليهم بكل بساطة بالسجن عددا من الشهور او عددا قليلا جدا من السنوات التي لا تساوي ابدا بشاعة تلك الجرائم.

ان الدين الاسلامي حدد حكما واضحا للزنا وهو ان الزاني او الزانية البكر يجلد كل منهما مئة جلدة ويبعد عن بلدته عاما كاملا اما المحصن الذي سبق له الزواج فحكمه الرجم، والشرط في اقامة الحد هو اقرار المذنب من غير اكراه او شهادة اربعة عدول شاهدوا الواقعة بدون أي لبس، كما ان الدين الاسلامي لم يعط الحق للاشخاص لاقامة الحدود بانفسهم بل اعطاه للقضاء.

والغريب ان معظم جرائم الشرف في الاردن لا يتوفر فيها اي شرط من تلك الشروط لا الاقرار ولا شهادة اربع شهود، حيث ان معظمها يعتمد على الاشاعات والشكوك الامر الذي اكده الطب الشرعي بان غالبية الضحايا عذراوات، والامر الاخر في هذه الجرائم أن الاشخاص يعطون انفسهم حق اقامة الحد متعدين بذلك القانون وشريعة الاسلام، كما أنهم يحددونه دائما بحكم واحد وهو القتل على الرغم من ان الدين الاسلامي وضع احكاما واضحة لمرتكبي الزنا تختلف حسب الحالة، وبالنهاية يأتي القانون الاردني متساهلا مع مرتكبي هذه الجرائم ومعطيا لهم عذرا مخففا.

ذلك التساهل في القانون دون اقامة اجراء رادع بحق مجرمي "جرائم الشرف" والذي يروح ضحيتها ما يقارب 20 فتاة او امرأة سنويا ادى الى زيادة عدد ضحاياها حيث وصلت في عام 2007 الى 17 جريمة وفي عام 2008 الى 18 جريمة وفي عام 2009 ارتفعت الى 22 جريمة، كما اعطى ذلك القانون صورة بشعة عن المجتمع الاردني الذي اصبح فيه قتل النساء تحت مسمى جرائم الشرف مقبولا قانونيا مما يسمح حتى لمرتكبي هذه الجرائم بالتباهي بها والذهاب الى المحاكم والاعتراف بها بكل فخر والمحاكم تقف دور المتفرج والمصفق لهؤلاء المجرمين باكتفائها بالحكم عليهم بعدة شهور او بعدد قليل من السنوات ومعاملتهم معاملة تفضيلية عن اي قاتل اخر، مما جعل منظمات حقوق الانسان العالمية تعترض بشدة على القانون وتحث الاردن على وضع قانون صارم للحد من هذه الجرائم وردع مرتكبيها.

القانون يجب ان يقف في وجه تلك الجرائم غير الانسانية وان يضع حدا لها وللانتهاك الجسيم للحقوق الانسانية للمرأة وان يوقف التمادي في جرائم القتل تحت غطاء الشرف وان يردع مرتكبي هذه الجرائم بمساواة عقابها بعقاب أية جريمة اخرى، ويجب ان يصل المجتمع الاردني الى مرحلة الوعي وتغيير طريقة تعامله مع قضايا الشرف بالاحتكام لامر الله، حيث أن القتل من أعظم الكبائر التي يلقى العبد بها ربَّه رغم اختلاف الاسباب حيث قال الله تعالى : { ومن يقتل مؤمنا متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدَّ له عذاباً عظيماً } سورة النساء / 92 .


hadeel.safadi@gmail.com

الاثنين، 3 مايو 2010

الانتحار في الاردن .. ظاهرة ام احداث عابرة


بقلم: هديل الصفدي

ارتفعت نسب الانتحار في الاونة الاخيرة في الاردن بشكل ملحوظ، حيث لا يكاد يمر يوم الا ونسمع خبرا عن إنتحار شخص او محاولة انتحار في احدى المحافظات في الاردن.

وعلى الرغم من انها لم تصبح ظاهرة بعد، الا ان ازدياد عدد حالات الانتحار وعدد محاولات الانتحار بشكل لافت للنظر اصبح يستدعي الوقوف على هذه المشكلة وعلى اسبابها، والبحث عن كيفية الحد منها قبل ان تتحول الى ظاهرة يصعب ايقافها.

ففي الماضي كانت اعداد المنتحرين تتراوح ما بين 17 إلى 20 حالة سنوياً، أما حاليا فيصل العدد الى ما يقارب 70 حالة، ففي عام 2009 بلغ عدد المنتحرين في الاردن 65 شخصا، في حين تم تسجيل 40 حالة في العام 2008 ، وفي عام 2007 وصلت الى 34 حالة، كما ارتفعت اعداد المحاولين للانتحار من 150 الى 400 شخص تقريبا.

وهذه الارقام هي الحالات المبلغ عنها فقط حيث ان هناك العديد من حالات الانتحار ومحاولات الانتحار التي لا يتم التبليغ عنها لان الانتحار يعتبر وصمة عار من الناحية الاجتماعية كما أنه محرم شرعا لذا يلجأ الكثيرون الى التستر على تلك المحاولات خوفا من العار وتجنبا للمساءلة القانونية.

ومن الامثلة على الحالات العديدة التي قام اصحابها بالانتحار والقضاء على حياتهم ، ان اقدمت شابة تبلغ من العمر 21 عاما وتدرس في جامعة الطفيلة التقنية على الانتحار بتناول مادة شديدة السمية، كما قام شاب في الرابعة والعشرين من عمره في بلدة الشجرة بلواء الرمثا باطلاق الرصاص على رأسه ما ادى الى وفاته، واقدم حدث على شنق نفسه في منزله الواقع في محافظة الكرك ، وتوفيت فتاة عمرها 18 عاما في بلدة مرصع بمحافظة جرش بعد أن قامت بشرب سم اللانيت إثر خلافات عائلية، كما انتحر تاجر في مدينة الزرقاء بإطلاق الرصاص على رأسه على اثر أزمة مالية تعرض لها رغم محاولات ذويه ورجال الشرطة ثنيه خلال مفاوضات معه، وغيرها الكثير من حالات الانتحار.

كما شهدت المملكة محاولات انتحار نجح رجال الدفاع المدني في احباطها، منها محاولة انتحار شخص يبلغ من العمر 42 عاما حاول القاء نفسه من على سطح عمارة مكونة من 6 طوابق قيد الإنشاء داخل حرم مستشفى الأميرة بسمة التعليمي في اربد، وفي حادثة اخرى حاول شاب في العشرينيات من عمره الانتحار بالقفز من فوق مبنى مرتفع في الرمثا الا ان جهود الاجهزة المختصة نجحت في منعه من الانتحار، كما تمكنت الاجهزة الامنية بالتعاون مع الدفاع المدني من اقناع شاب حاول الانتحار من فوق عمارة قرب دوار الداخلية في العاصمة عمان بالعدول عن فكرته، كما تمكنت من انهاء محاولة انتحار شاب من على سطح عمارة بالقرب من وكالة الأنباء الأردنية بترا، وحاول شاب في مدينة الطفيلة الانتحار بسبب الظروف المعيشية الصعبة بتناوله 16 حبة من دواء للصرع نقل على إثر ذلك الى المستشفى وتم انقاذه، وهناك الكثير من محاولات الانتحار التي نجح في إفشالها الدفاع المدني.

ومن اهم الاسباب التي يعزي كثير من الخبراء المختصين حالات الانتحار اليها هي الاوضاع الاقتصادية وغلاء الاسعار وتفشي الفقر والبطالة التي تجعل الناس يعيشون في حالة من الاحباط توصل البعض منهم الى الانتحار خاصة في ظل ضعف الوازع الديني، ومن الاسباب الاخرى التي حددها الخبراء ضعف التوعية الدينية وضعف التكافل الاجتماعي، والظروف الاجتماعية والاسرية والعاطفية والمشكلات العائلية والفشل الدراسي ومشكلات العمل والاحباطات الحياتية العامة.

وكان المركز الوطني للطب الشرعي قد ارجع هذه الزيادة في نسب الانتحار الى الزيادة الطبيعية في اعداد السكان والتغيير الحاصل في انماط السلوك الاجتماعي، كما اشار الى ان الظروف الاجتماعية والمالية وأحياناً العاطفية تشكل الدوافع الأبرز للإقدام على الانتحار.

واشار خبراء ان الذين يصلون الى مرحلة الانتحار يفتقدون في الاغلب الدعم الاجتماعي والاسري ويعانون من ضعف الخصائص الشخصية مثل القدرة على التعامل الايجابي مع الضغوط وادارتها والقدرة على حل المشكلات.

وحول كيفية الحد من هذه المشكلة طالب الخبراء بأن تكون هناك جهود متكاتفة لمعالجة ارتفاع معدلات الفقر والبطالة وتوفير فرص العمل وتوسيع مظلة التأمين الصحي للمرضى النفسيين خاصة في ظل ارتفاع كلفة علاج المرض النفسي للسيطرة على الأمراض النفسية والتي تؤدي مع عوامل اخرى الى ازدياد حالات الانتحار، كما دعى الخبراء بأن يكون هناك تعاون بين الجهات التي تتعامل مع موضوع الانتحار وان تكون هناك استراتيجية واضحة لمعالجة هذه الظاهرة قبل ان تتنامى، ووضع برامج ثقافية واعلامية واجتماعية ونفسية تنفر من الانتحار وانشاء مركز لمعالجة محاولي الانتحار.

وعلى الرغم من ارتفاع اعداد المنتحرين في الاردن الا ان هذه النسبة تعد منخفضة مقارنة مع معظم دول العالم، وذلك بسبب وجود “الحافز الديني والأخلاقي”، وعلى الرغم من ذلك فأن على الحكومة الاردنية ان تعد استراتيجية متكاملة تضع فيها بعين الاعتبار دراسة مختلف العوامل التي تؤدي الى الانتحار بالتعاون مع مختلف الجهات التي من الممكن ان يكون لها دور في الحد من الانتحار قبل ان يصبح ظاهرة واضحة في الاردن.

Hadeel.safadi@gmail.com